عبد الرحمن بن زيدان

( بالاشتراك )

طبع مؤسسة أونا – سلسلة أعلام المغرب – 1998

 

المقـدمة

 

بسم الله الرحمان الرحيم

 

في تاريخ المغرب – قديمه والحديث – أعلام أفذاذ نالوا من ثقافة عصرهم ما أهلهم لحمل المشعل وأداء الرسالة؛ على الرغم مما قد توسم به هذه الثقافة من جمود وركود؛ وعلى الرغم كذلك من الظروف الداخلية والخارجية التي قد تكون خلف ذلك، والتي غالبا ما تكون في حال اضطرابها باعثة على اليأس والإحباط.

 

ومن ثم، كان الكشف عن هؤلاء الأعلام وما نهضوا به لتجاوز واقعهم وما اعترضهم فيه من تحديات، خير ما يمكن التوسل به لاكتناه الحقائق وإدراك ما تختزنه من خبايا أو يكتنفها من أسرار، والإمساك بعد هذا بخيط التواصل والامتداد في المسير الثقافي، مهما تكن عوائقه ومثبطاته وما ينتج عنها من تعثر أو بتر.

 

تحفزا من الوعي بأهمية هذا الكشف، بادرت مؤسسة "أونا" إلى إصدار سلسلة " أعلام المغرب " ساعية إلى تحقيق هدف علمي قائم على معرفة عميقة ودقيقة تستند إلى البحث والتنقيب والدرس، وساعية كذلك إلى تبسيط هذه المعرفة واختزالها وتقريبها إلى عموم القراء، وإشاعتها بين غير المتخصصين، من الراغبين في اكتساب ما ينمي ثقافتهم ويكملها في أبعادها المتعددة وأنماطها المتنوعة.

 

وقد نشرت من هذه السلسلة عـدديـن ،  كان  أولهما عن " المختار السوسي "،  وكان الثاني عن " عبد الله كنون " ؛ وهما معا من العلماء والأدباء الذين كان لهم دور كبير في النهوض بثقافة المغرب، تحصيلا وتبليغا وإبداعا، حاملين في غير تباطؤ أو توان مشاعل أناروا بها السبل المدلهمة والدروب الحالكة، وفتحوا من خلال ذلك البصائر والأبصار، وصقلوا الأذهان والأفكار.

 

في هذاس السياق، تقدم المؤسسة عددا جديدا من السلسلة، للتعريف بأحد أولئك الأفذاذ، هو أبو زيد عبد الرحمن بن زيدان الذي أدى رسالته الثقافية على نحو قل له نظير؛ مع تفرد عن الأقران  بمميزات حفزته إلى اقتحام مجالات كانت – بحكم ظروف المرحلة – تشكو التهميش وتعاني الإهمال.

 

فبفضل انتمائه إلى الأسرة الشريفة التي كان نقيبها في مكناس، وكذا بفضل ما ناله من ثقافة العصر، وما كان يستبد به من طموح علمي وأدبي، تسنى له أن يضع اليد على الدفين من الوثائق والمخطوطات، وأن يحرر – استنادا إليها – كتابات قيمة عن هذه المدينة وعن الدولة العلوية وملوكها ومن نبغ في أحضانها؛ مع عناية خاصة بالتعبير الأدبي، شعره ونثره، وفق ما كان متداولا من موروثه؛ وكذا مع اهتمام نادر بما يجعل العلماء والأدباء يقصدونه من كل حدب وصوب، ويلتفون حوله، مفيدين من مكتبته وناديه، ومن كرم مائدته كذلك.

 

                 وحتى يتسنى تقديم هذه الشخصية البارزة على نحو واف ومتكامل، فقد ركز الكتاب على جوانب ثلاثة، منها تشكلت أقسامه التي جاءت كالآتي :

 

                 1 – قسم خاص بالترجمة لابن زيدان، في بيوببليوغرافيا تقصد إلى التعريف بحياته وإنتاجه. وقد أنجزه الأخ الكريم، قيدوم كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس–أكدال– الرباط، الأستاذ الدكتور سعيد بنسعيد العلوي الذي هو، بالإضافة إلى الروابط الأسرية التي تصله بابن زيدان، عالم متمكن وباحث مدقق، مع رحابة صدر وسعة أفق وأصالة متجددة.

 

                 2 – قسم منصب على الميدان الذي اشتهر فيه ابن زيدان، وهو التاريخ الذي كان فيه يحتل مركز مؤرخ المملكة، وإن لم يكن لهذا المنصب وجود يومئذ. وقد حرره الصديق العزيز الأستاذ السيد أحمد التوفيق، محافظ الخزانة العامة بالرباط؛ وهو خبير ثبت بتراث المغرب ودارس متعمق فيه، مع بعد نظر وحصافة رأي.

 

                 3 – قسم مهتم بالجانب الآخر الذي كان يعنى به ابن زيدان، والذي تمثل عنده في المجال الأدبي بشعره ونثره، وفي المجلس الزيداني بمكتبته وناديه وما كان لهما من تأثير في إبراز ملامح إيجابية للثقافة المغربية. وقد سعدت بكتابة هذا القسم، جاهدا في محاولة لمّ أطراف موضوعه، بما يتفق والمنهج العام الرامي إلى التبسيط والاختصار، على ما في هذا الموضوع من مادة وافرة وأحكام عليه سابقة.

 

                 وإني لأشعر ببهج كبير، إذ أقدم لهذا الكتاب الثالث من سلسلة " أعلام المغرب " بعد أن قدمت للأول منها؛ آملا أن يحقق الغايات المتوخاة من إصدارها، وأن يكون كذلك إضافة غنية للدراسات المغربية، ولا سيما للتعريف بابن زيدان الذي لم يلتفت إليه الباحثون بما يتناسب والموقع الذي كان له في الساحة الفكرية.

                                    

                 ولعلي أن أزجي – باسمي ونيابة عن شريكي المؤلفين – أصدق عبارات الشكر والتقدير لمؤسسة " أونا " وهي تتابع إخراج هذه السلسلة بعزم نابع من الإيمان برسالة الثقافة.

 

          وأود بعد هذا أن أعرب عن أخلص آيات الثناء والتنويه للصديق الفاضل مدير الخزانة الحسنية، الأستاذ الدكتور أحمد شوقي بنبين الذي أمدني بجميع ما كنت أريد الاطلاع عليه من مخطوطات زيدانية؛ وأن أفصح عن المشاعر نفسها للأخ العزيز الأستاذ أحمد التوفيق الذي مكنني من الوقوف على ما يوجد من هذه المخطوطات في الخزانة العامة؛ وكذا للزميل الكريم الأستاذ الدكتور سعيد بنسعيد العلوي الذي يسر لي منها بعض ما في حوزة أسرته الشريفة.

 

        وبالله العون والتوفيق

 

                                     عباس الجراري

الرابط في 29 رجب 1419 هـ/ الموافـق 19 نونبر  1998 م